فصل: الحديث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه جلس بِجنب شُرَيْح فِي خُصُومَة لَهُ مَعَ يَهُودِيّ، فَقَالَ: لَو كَانَ خصمي مُسلما جَلَست مَعَه بَين يَديك، وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تساووهم فِي الْمجَالِس».
هَذَا كَذَا أوردهُ صَاحب الْحَاوِي والشَّمَائِل وَغَيرهمَا، وَضعف صَاحب الْحَاوِي إِسْنَاده، وَقد أخرجه كَذَلِك ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله فِي الْمَرَض من حَدِيث أبي سمير حَكِيم بن خزام، نَا الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: «عرف عَلّي درعًا لَهُ مَعَ يَهُودِيّ فَقَالَ: يَا يَهُودِيّ، دِرْعِي سَقَطت مني يَوْم كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ الْيَهُودِيّ: مَا أَدْرِي مَا تَقول، دِرْعِي وَفِي يَدي، بيني وَبَيْنك قَاضِي الْمُسلمين- يَعْنِي فمضيا إِلَى شُرَيْح- فَلَمَّا رَآهُ شُرَيْح قَامَ لَهُ عَن مَجْلِسه وَجلسَ عَلّي، ثمَّ أقبل عَلَى شُرَيْح فَقَالَ: إِن خصمي لَو كَانَ مُسلما جَلَست مَعَه بَين يَديك، وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا تساووهم فِي الْمجَالِس، وَلَا تعودوا مرضاهم، وَلَا تشيعوا جنائزهم، واضطروهم إِلَى أضيق الطّرق، فَإِن سبوكم فاضربوهم، وَإِن ضربوكم فاقتلوهم. ثمَّ قَالَ: دِرْعِي عرفتها مَعَ هَذَا الْيَهُودِيّ. فَقَالَ شُرَيْح لِلْيَهُودِيِّ: مَا تَقول؟ فَقَالَ: دِرْعِي وَفِي يَدي. فَقَالَ شُرَيْح: صدقت وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّهَا لدرعك، وَلَكِن لابد من شَاهِدين. فَدَعَا قنبرًا فَشهد لَهُ، ثمَّ دَعَا الْحسن فَشهد لَهُ، فَقَالَ شُرَيْح: أما شَهَادَة مَوْلَاك فقد أجزتها، وَأما شَهَادَة ابْنك فَلَا أرَى أَن أجيزها. فَقَالَ عَلّي: ناشدتك الله أسمعت عمر بن الْخطاب يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة قَالَ: قَالَ اللَّهُمَّ نعم قَالَ فَلم لَا تجيز شَهَادَة شباب أهل الْجنَّة وَالله لتأتين إِلَيّ بانقيا ثمَّ لتقضين بَينهم أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثمَّ سلم الدرْع إِلَى الْيَهُودِيّ، فَقَالَ الْيَهُودِيّ: أَمِير الْمُؤمنِينَ مَشَى معي إِلَى قاضيه فَقَضَى عَلَيْهِ فَرضِي بِهِ، صدقت وَالله، إِنَّهَا لدرعك سَقَطت مِنْك يَوْم كَذَا وَكَذَا عَن جمل لَك أَوْرَق فالتقطها، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقَالَ عَلّي: هَذَا الدرْع لَك وَهَذِه الْفرس لَك. وفرص لَهُ تِسْعمائَة، ثمَّ لم يزل مَعَه حَتَّى قتل يَوْم صفّين» ثمَّ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، تفرد بِهِ أَبُو سمير قَالَ البُخَارِيّ وَابْن عدي: هُوَ مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث.
قلت: وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي الكنى: أَبُو سمير هَذَا مُنكر الحَدِيث. ثمَّ أورد لَهُ هَذَا الحَدِيث بسياقة ابْن الْجَوْزِيّ سَوَاء، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر الحَدِيث. وَقد سمع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جارًا لَهُ يهوديًّا، وَنَهَى عَن قتل الْمعَاهد فضلا عَن الْمُشرك إِلَّا بِحقِّهِ وَقَالَ ابْن عَسَاكِر فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب: إِسْنَاده مَجْهُول وَلَا يعرف إِلَّا من هَذَا الْوَجْه. انْتَهَى. وَأَبُو سمير هَذَا اسْمه حَكِيم بن خزام، وَقد أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من وَجه آخر من حَدِيث جَابر، عَن الشّعبِيّ قَالَ: «خرج عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه إِلَى السُّوق، فَإِذا هُوَ بنصراني يَبِيع درعًا فَعرف عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه الدرْع فَقَالَ: هَذَا دِرْعِي بيني وَبَيْنك قَاضِي الْمُسلمين. قَالَ- وَكَانَ قَاضِي الْمُسلمين شُرَيْح، كَانَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه استقضاه- فَلَمَّا رَأَى شُرَيْح أَمِير الْمُؤمنِينَ قَامَ من مجْلِس الْقَضَاء، وأجلس عليَّا فِي مَجْلِسه وَجلسَ شُرَيْح قدامه إِلَى جنب النَّصْرَانِي، فَقَالَ لَهُ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أما يَا شُرَيْح لَو كَانَ خصمي مُسلما لقعدت مَعَه مجْلِس الْخصم، وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تصافحوهم وَلَا تبدؤهم بِالسَّلَامِ، وَلَا تعودوا مرضاهم، وَلَا تصلوا عَلَيْهِم، وألجؤهم إِلَى مضايق الطّرق، وصغروهم كَمَا صغرهم الله اقْضِ بيني وَبَينه يَا شُرَيْح. فَقَالَ شُرَيْح: تَقول يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ فَقَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه هَذِه دِرْعِي ذهبت مني مُنْذُ زمَان. فَقَالَ شُرَيْح: مَا تَقول يَا نَصْرَانِيّ؟ قَالَ: فَقَالَ النَّصْرَانِي: مَا أكذب أَمِير الْمُؤمنِينَ الدرْع هِيَ دِرْعِي. قَالَ: فَقَالَ شُرَيْح: مَا أرَى أَن تخرج من يَده فَهَل من بَيِّنَة؟ فَقَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: صدق شُرَيْح. قَالَ: فَقَالَ النَّصْرَانِي: أما أَنا أشهد أَن هَذِه أَحْكَام الْأَنْبِيَاء، أَمِير الْمُؤمنِينَ يَجِيء إِلَى قاضيه وقاضيه يقْضِي عَلَيْهِ، وَالله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ درعك اتبعتك بَين الْجَيْش، وَقد زَالَت عَن جملك الأورق فأخذتها، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. فَقَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أما إِذا أسلمت فَهِيَ لَك. وَحمله عَلَى فرس عَتيق. قَالَ: فَقَالَ الشّعبِيّ: فَلَقَد رَأَيْته يُقَاتل الْمُشْركين» وَفِي رِوَايَة لَهُ «لَوْلَا أَن خصمي نَصْرَانِيّ لجثيت بَين يَديك» وَقَالَ فِي آخِره «فَوَهَبَهَا عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لَهُ وَفرض لَهُ أَلفَيْنِ، وَأُصِيب مَعَه يَوْم صفّين» وَفِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ضعفاء أَوَّلهمْ أسيد- بِفَتْح الْهمزَة- بن زيد بن نجيح الْجمال- بِالْجِيم- الْهَاشِمِي، قَالَ يَحْيَى: هُوَ كَذَّاب. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: يروي عَن الثِّقَات الْمَنَاكِير ويسوق الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ. وَرَوَى عَنهُ البُخَارِيّ مَقْرُونا بِعَمْرو بن ميسرَة الْكُوفِي.
الثَّانِي عَمْرو بن شمر الْجعْفِيّ وَهُوَ ضَعِيف جدًّا. قَالَ السَّعْدِيّ: زائغ كَذَّاب.
الثَّالِث: جَابر الْجعْفِيّ، وَقد تقدم أَقْوَال الْأَئِمَّة فِيهِ وَفِي عَمْرو بن شمر فِيمَا مَضَى من كتَابنَا هَذَا. د قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيث من وَجه آخر ضَعِيف عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ. فَأَشَارَ إِلَى الطَّرِيقَة السالفة، لَا جرم، قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْوَسِيط: هَذَا الحَدِيث لم أجد لَهُ إِسْنَادًا يثبت.

.الحديث الرَّابِع بعد الثَّلَاثِينَ:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يضيف أحدكُم أحد الْخَصْمَيْنِ إِلَّا أَن يكون خَصمه مَعَه».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن الْحسن قَالَ: «نزل عَلَى عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رجل وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، ثمَّ قدم خصما لَهُ فَقَالَ لَهُ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: أخصم أَنْت؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فتحول فَإِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن نضيف الْخصم إِلَّا وَمَعَهُ خَصمه». قَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِسْنَاده ضَعِيف. قَالَ: وَقد تَابعه أَبُو مُعَاوِيَة وَغَيره عَن إِسْمَاعِيل بِمَعْنَاهُ هَكَذَا. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن قيس بن الرّبيع، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن الْحسن قَالَ: «حَدثنَا رجل نزل عَلَى عَلّي بِالْكُوفَةِ فَأَقَامَ عِنْده أَيَّامًا ثمَّ ذكر خُصُومَة لَهُ فَقَالَ عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه تحول عَن منزلي؛ فَإِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن ينزل الْخصم إِلَّا وَمَعَهُ خَصمه» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وقرأت فِي كتاب ابْن خُزَيْمَة، عَن مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الرَّمْلِيّ، عَن الْقَاسِم بن غُصْن، عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود الديلِي، عَن أَبِيه، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يضيف الْخصم إِلَّا وخصمه مَعَه».

.الحديث الخَامِس بعد الثَّلَاثِينَ:

«أَن أعرابيًّا شهد عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرُؤْيَة الْهلَال فَسَأَلَ عَن إِسْلَامه وَقبل شَهَادَته».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَقد سلف بَيَانه فِي كتاب الصّيام وَاضحا.

.الحديث السَّادِس بعد الثَّلَاثِينَ:

«إِن أول من فرق الشُّهُود دانيال النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شهد عِنْده بِالزِّنَا عَلَى امْرَأَة ففرقهم وسألهم، فَقَالَ أحدهم: زنت بشاب تَحت شَجَرَة كمثرى. وَقَالَ الآخر: تَحت شَجَرَة تفاح. فَعرف كذبهمْ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة أبي إِدْرِيس فِي قصَّة سوسن قَالَ: «كَانَ دانيال عَلَيْهِ السَّلَام أول من فرق بَين الشُّهُود، فَقَالَ لأَحَدهمَا: مَا الَّذِي رَأَيْت وَمَا الَّذِي شهِدت؟ قَالَ: أشهد بِاللَّه أَنِّي رَأَيْت سوسن تَزني فِي الْبُسْتَان بِرَجُل. قَالَ: فِي أَي مَكَان؟ قَالَ: تَحت شَجَرَة كمثرى. ودعا الآخر قَالَ: بِمَ تشهد؟ قَالَ: أشهد أَنِّي رَأَيْت سوسن تَزني بالبستان تَحت شَجَرَة التفاح. قَالَ: فَدَعَا الله عَلَيْهَا فَجَاءَت من السَّمَاء نَار فأحرقتهما وَأَبْرَأ الله سوسن».
فَائِدَة: دانيال هَذَا يُقَال فِيهِ دانيا- بِحَذْف اللَّام- كَمَا حَكَاهُ صَاحب الْعين، وَإِن كَانَ خلاف الْمَشْهُور، وَهُوَ مِمَّن آتَاهُ الله الْحِكْمَة والنبوة، وَكَانَ فِي أَيَّام بخْتنصر، قَالَ أهل التَّارِيخ: أسره بخْتنصر مَعَ من أسره وحبهم، ثمَّ رَأَى بخْتنصر رُؤْيا أفزعتهم وَعجز النَّاس عَن تَفْسِيرهَا فَفَسَّرَهَا دانيال فَأَعْجَبتهُ فَأَطْلقهُ وأكرمه، وقبره بنهر السوس. هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره:

فخمسة عشر:

.الأول:

«أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لما بعث ابْن مَسْعُود قَاضِيا عَلَى الْكُوفَة كتب لَهُ كتابا».
وَلَا يحضرني الْآن.

.ثَانِيهَا:

«أَن أَبَا بكر كَانَ يَأْخُذ من بَيت المَال كل يَوْم دِرْهَمَيْنِ».
وَلَا يحضرني كَذَلِك، نعم فِي البُخَارِيّ فِي بَاب رزق الْحَاكِم والعاملين عَلَيْهَا مَا نَصه «وَأكل أَبُو بكر وَعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما» وَفِي سنَن الْبَيْهَقِيّ فِي أَبْوَاب قسم الْفَيْء وَالْغنيمَة من حَدِيث الْحسن «أَن أَبَا بكر الصّديق خطب...» فَذكرهَا ثمَّ قَالَ: «فَلَمَّا أصبح غَدا إِلَى السُّوق فَقَالَ لَهُ عمر: أَيْن تُرِيدُ؟ قَالَ: السُّوق. قَالَ: قد جَاءَك مَا يشغلك عَن السُّوق. قَالَ: سُبْحَانَ الله، يشغلني عَن عيالي. قَالَ: تفرض بِالْمَعْرُوفِ. قَالَ: وَيْح عمر، إِنِّي أَخَاف أَن لَا يسعني أَن آكل من هَذَا المَال شَيْئا قَالَ: فأنفق فِي سنتَيْن وَبَعض أُخْرَى ثَمَانِيَة آلَاف، ثمَّ أَوْصَى بردهَا بعد مَوته فَردَّتْ، فَقَالَ عمر: رحم الله أَبَا بكر لقد أتعب من بعده تعبًا شَدِيدا».

.الثَّالِث:

«أَن عمر كَانَ يرْزق شريحًا كل شهر مائَة دِرْهَم».
وَلَا يحضرني هَذَا كَذَا، نعم فِي البُخَارِيّ فِي بَاب رزق الْحَاكِم والعاملين عَلَيْهَا مَا نَصه «كَانَ شُرَيْح يَأْخُذ عَلَى الْقَضَاء أجرا».

.الرَّابِع:

عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ «فِي قَوْله تَعَالَى {وشاورهم فِي الْأَمر} قَالَ: كَانَ غَنِيا عَن مشاورتهم، وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك أَن يستن الْحُكَّام بعد هَذَا الْأَمر».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث سعيد بن مَنْصُور، عَن سُفْيَان، عَن ابْن شبْرمَة، عَنهُ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ {وشاورهم فِي الْأَمر} قَالَ: علم الله سُبْحَانَهُ أَنه مَا بِهِ إِلَيْهِم من حَاجَة وَلَكِن أَرَادَ أَن يستن من بعده. قَالَ الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: «مَا رَأَيْت أحدا قطّ كَانَ أَكثر مُشَاورَة لأَصْحَابه من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس عَن وشاورهم قَالَ: «أَبُو بكر وَعمر». وروينا فِي آدَاب الصُّحْبَة لأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ من حَدِيث مخلد بن يزِيد، عَن عباد بن كثير، عَن ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «لما نزلت هَذِه الْآيَة {وشاورهم فِي الْأَمر}. قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله وَرَسُوله غنيان عَنْهَا وَلَكِن جعلهَا الله رَحْمَة فِي أمتِي، فَمن شاور، مِنْهُم لم يعْدم رشدا وَمن ترك المشورة مِنْهُم لم يعْدم غيًا».

.الْخَامِس:

عَن شُرَيْح أَنه قَالَ: «اشْترط عليَّ عمر حِين ولاَّني الْقَضَاء أَن لَا أبيع وَلَا أبتاع وَلَا أَقْْضِي وَأَنا غَضْبَان».
وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه عَنهُ.

.السَّادِس:

عَن مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد قَالَ: سَمِعت الْقَاسِم بن مُحَمَّد يَقُول: «أَتَت امْرَأَة إِلَى عبد الله بن عَبَّاس فَقَالَت: إِنِّي نذرت أَن أنحر ابْني. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَا تنحري ابْنك وكفري عَن يَمِينك. فَقَالَ شيخ عِنْده جَالس: كَيفَ يكون فِي هَذَا كَفَّارَة؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن الله يَقُول: وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ جعل فِيهِ من الْكَفَّارَات مَا قد رَأَيْت».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته عَن مَالك.

.السَّابِع:

عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه قَالَ فِي الْكَلَالَة: أَقُول فِيهَا برأيي إِن كَانَ صَوَابا فَمن الله وَإِن كَانَ خطأ فمني واستغفر الله».
هَذَا الْأَثر مَشْهُور عَنهُ، وَمِمَّنْ ذكره أَبُو الطّيب الزَّمَخْشَرِيّ وَغَيره قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرَوَى مثله فِي وقائع مُخْتَلفَة عَن عَلّي وَعمر وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. قَالَ: وخالفت الصَّحَابَة أَبَا بكر فِي الْحَد، وَعمر فِي الشّركَة.

.الثَّامِن:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه كَانَ يفاضل بَين الْأَصَابِع فِي الدِّيات لتَفَاوت مَنَافِعهَا حَتَّى رَوَى لَهُ فِي الْخَبَر التَّسْوِيَة بَينهَا فنقض حكمه».
هَذَا الْأَثر مَشْهُور عَنهُ، رَوَى الشَّافِعِي فِي مُسْنده عَن سُفْيَان وَعبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب «أَن عمر بن الْخطاب قَضَى فِي الْإِبْهَام بِخمْس عشرَة، وَفِي الَّتِي تَلِيهَا بِعشر وَفِي الْوُسْطَى بِعشر، وَفِي الَّتِي تلِي الْخِنْصر بتسع، وَفِي الْخِنْصر بست» وَإِنَّمَا رجعوه عَنهُ فَحَكَى أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ فِي المعالم عَن سعيد بن الْمسيب «أَن عمر كَانَ يَجْعَل فِي الْإِبْهَام خَمْسَة عشر...» وَقد ذكر مَا قدمنَا قَالَ: «وَفِي الْخِنْصر سِتا، حَتَّى وجد كتابا عِنْد عَمْرو بن حزم عَن رَسُول الله أَن الْأَصَابِع كلهَا سَوَاء، فَأخذ بِهِ» وَلم يذكر الشَّافِعِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي الرسَالَة رُجُوعه بل مَا قدمْنَاهُ عَنهُ فِي الْمسند ثمَّ قَالَ: «وَفِي كل إِصْبَع مِمَّا هُنَالك عشر من الْإِبِل» صَارُوا إِلَيْهِ، وَلم يقبلُوا إِلَى عَمْرو بن حزم حَتَّى يثبت لَهُم أَنه كتاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بتقوى الله.

.التَّاسِع:

عَنهُ أَيْضا «أَنه كتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: لَا يمنعك قَضَاء قَضيته ثمَّ راجعت فِيهِ نَفسك فهديت لرشده أَن تنقضه، فَإِن الْحق قديم لَا ينْقضه شَيْء، وَالرُّجُوع إِلَى الْحق خير من التَّمَادِي فِي الْبَاطِل».
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَهُوَ كتاب مَعْرُوف مَشْهُور لابد للفقهاء من مَعْرفَته وَالْعَمَل بِهِ، وَقَالَ ابْن حزم بعد أَن سَاقه من طَرِيقين: وَفِيه إِثْبَات الْقيَاس، لَا يَصح؛ لِأَن فِي سَنَده عبد الْملك بن الْوَلِيد بن معدان، وَهُوَ كُوفِي مَتْرُوك سَاقِط بِلَا خلاف ومجهول قَالَ: وَطَرِيقه الآخر فِيهِ مَجَاهِيل وَانْقِطَاع. قَالَ: فَبَطل القَوْل بِهِ جملَة.

.الْعَاشِر:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه نقض قَضَاء شُرَيْح بِأَن شَهَادَة الْمولى لَا تقبل بِالْقِيَاسِ الْجَلِيّ وَهُوَ أَن ابْن الْعم لَا تقبل شَهَادَته مَعَ أَنه أقرب من الْمولى».
هَذَا لَا يحضرني من خرجه عَنهُ.

.الْحَادِي عشر:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «إِذْ حكم بحرمان الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ فِي الشّركَة، ثمَّ شرك بعد ذَلِك، وَقَالَ: ذَلِك عَلَى مَا قضينا وَلِهَذَا مَا نقض. وَلم ينْقض قَضَاءَهُ الأول».
هَذَا الْأَثر رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا من حَدِيث الحكم بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ قَالَ: شهِدت عمر بن الْخطاب أشرك الْإِخْوَة من الْأَب والام مَعَ الْإِخْوَة من الْأُم فِي الثُّلُث، فَقَالَ لَهُ رجل: لقد قضيت عَام أول بِغَيْر هَذَا. قَالَ: فَكيف قضيت؟ قَالَ: جعلته للإخوة من الْأُم وَلم تجْعَل للإخوة من الْأَب وَالأُم شَيْئا، قَالَ: تِلْكَ مَا قضينا وَهَذِه عَلَى مَا قضينا وَوَقع فِي الْوَسِيط للغزالي هَذَا الْأَثر معكوسًا فَقَالَ: قَضَى بِإِسْقَاط الْأَخ من الْأَبَوَيْنِ فِي مَسْأَلَة الشّركَة بعد أَن شرك فِي الْعَام الأول، وَكَذَا وَقع فِي النِّهَايَة قَالَ ابْن الصّلاح: وَهُوَ سَهْو قطعا وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْعَكْس شرك بعد أَن لم يُشْرك. كَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن وَالنَّاس.
قلت: وَوَقع فِي بَحر الرَّوْيَانِيّ أَنه رَوَى «أَن عمر شرك بَين الْأَخ من الْأَب وَالأُم، وَبَين أَوْلَاد الْأُم، ثمَّ رَجَعَ فِي الإنتهاء، فَقَالَ الْإِخْوَة من الْأَب وَالأُم: هَب أَن أَبَانَا كَانَ حمارا أَلسنا من أم وَاحِدَة؟! فشرك» وَهَذَا إِن صَحَّ يجمع بِهِ من كل من الرِّوَايَتَيْنِ السالفتين، نبه عَلَيْهِ ابْن الرّفْعَة فِي كتاب الْفَرَائِض.

.الثَّانِي عشر:

«أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَت لَهُ درة مؤدبة».
مَشْهُور عَنهُ، وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ الْخَطِيب فِي كتاب أَسمَاء الروَاة عَن مَالك بِسَنَدِهِ إِلَى أَحْمد ابْن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي، ثَنَا مَالك، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن سعيد بن الْمسيب، عَن أَبِيه «أَن مُسلما ويهوديًا اخْتَصمَا إِلَى عمر فَرَأَى عمر أَن الْحق لِلْيَهُودِيِّ فَقَضَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيّ: وَالله لقد قضيت بِالْحَقِّ. فَضَربهُ عمر بِالدرةِ، وَقَالَ: مَا يدْريك؟ قَالَ: إِنَّا نجد فِي كتَابنَا أَنه لَيْسَ قَاض يقْضِي بِالْحَقِّ إِلَّا عَن يَمِينه ملك، وَعَن يسَاره ملك يسددانه ويوفقانه مَعَ الْحق، فَإِذا ترك الْحق ارتفعا وتركاه» وَمن ذَلِك مَا رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي مُسْنده عَن مَالك، عَن ابْن شهَاب، عَن ابْن الْمسيب وَسليمَان بن يسَار «أَن طليحة كَانَت تَحت رشيد الثَّقَفِيّ فَطلقهَا الْبَتَّةَ، فنكحت فِي عدتهَا، فضربها عمر بن الْخطاب، وَضرب زَوجهَا بالمخفقة». قَالَ ابْن دحْيَة فِي كِتَابه مرج الْبَحْرين: وَأول من ضرب بِالدرةِ وَحملهَا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
والدرة- بِكَسْر الدَّال، وَتَشْديد الرَّاء- معرفَة، وَيُقَال: المعرقة- بِفَتْح الْعين وَالرَّاء وبالقاف- ذكره صَاحب الْمُحكم. والمخفقة أَيْضا كَمَا تقدم.

.الْأَثر الثَّالِث عشر:

«أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه اشْتَرَى دَارا بأَرْبعَة آلَاف وَجعلهَا سجنًا».
وَهَذَا الْأَثر ذكره البُخَارِيّ فِي أثْنَاء بَاب الْخُصُومَات بِنَحْوِهِ فَقَالَ: «وَاشْتَرَى نَافِع بن عبد الْحَارِث دَارا للسجن بِمَكَّة من صَفْوَان بن أُميَّة عَلَى إِن عمر رَضِي فَالْبيع بَيْعه، وَإِن لم يرض عمر فلصفوان أَرْبَعمِائَة» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث نَافِع بن عبد الْحَارِث أَيْضا «أَنه اشْتَرَى من صَفْوَان بن أُميَّة دَارا للسجن لعمر بن الْخطاب بأَرْبعَة آلَاف». وَفِي رِوَايَة «بأربعمائة».
فَائِدَة:
قَالَ ابْن الطلاع فِي أَحْكَامه: اخْتلف أهل الْعلم هَل سجن رَسُول الله وَأَبُو بكر أحدا؟ فَذكر بَعضهم أَنه لم يكن لَهما سجن، وَلَا سجنا أحدا، وَذكر بَعضهم «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سجن بِالْمَدِينَةِ فِي تُهْمَة دم» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَذَلِكَ قَالَ، وَرُوِيَ «أَنه سجن رجلا أعتق شركا لَهُ فِي عبد فَوَجَبَ عَلَيْهِ استتمام عتقه» قَالَ فِي الحَدِيث: «حَتَّى بَاعَ عتقه لَهُ». وَقَالَ ابْن سُفْيَان فِي كِتَابه: وَقد رويت عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه حكم بِالضَّرْبِ والسجن». قَالَ ابْن الطلاع: وَثَبت عَن عمر «أَنه كَانَ لَهُ سجن وَأَنه سجن الحطيئة عَلَى الهجو، وصَبيِغًا التَّمِيمِي عَلَى سُؤَاله عليًّا فِي الذاريات والمرسلات والنازعات، وشبههن، وضربه مرّة بعد أُخْرَى، ونفاه إِلَى الْعرَاق- وَقيل: إِلَى الْبَصْرَة- وَكتب أَن لَا يجالسه أحد إِلَى أَن مَاتَ».

.الْأَثر الرَّابِع عشر:

عَن أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «لَو رَأَيْت أحدا عَلَى حد لم أحده حَتَّى يشْهد عِنْدِي شَاهِدَانِ بذلك».
وَهَذَا الْأَثر ذكره الإِمَام أَحْمد بِلَفْظ: «لَو رَأَيْت رجلا عَلَى حد من حُدُود الله تَعَالَى مَا أَخَذته، وَلَا دَعَوْت لَهُ أحدا حَتَّى يكون مَعَه غَيْرِي» وَإِسْنَاده صَحِيح إِلَيْهِ.

.الْأَثر الْخَامِس عشر:

«أَن شَاهِدين شَهدا عِنْد عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَقَالَ لَهما: إِنِّي لَا أعرفكما، وَلَا يضركما أَن لَا أعرفكما، ائتيا بِمن يعرفكما. فَأَتَاهُ رجل، فَقَالَ: تعرفهما؟ قَالَ: بالصلاح وَالْأَمَانَة. قَالَ: كنت جارًا لَهما تعرف صباحهما ومساءهما ومدخلهما ومخرجهما قَالَ: لَا. قَالَ: هَل عاملتهما بِهَذِهِ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير الَّتِي تعرف بهَا أمانات الرِّجَال؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَل صحبتهما فِي السّفر الَّذِي يسفر عَن أَخْلَاق الرِّجَال؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَأَنت لَا تعرفهما، ائتيا بِمن يعرفكما».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء، وَالْبَغوِيّ، والخطيب فِي كِفَايَته، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث دَاوُد بن رشيد، عَن الْفضل بن زِيَاد، عَن شَيبَان، عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش، عَن سُلَيْمَان بن مسْهر، عَن خَرَشَةَ- بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة، ثمَّ رَاء مُهْملَة، ثمَّ شين مُعْجمَة مفتوحتين، ثمَّ تَاء- بن الحرُ- بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء- الْفَزارِيّ الْكُوفِي قَالَ: «شهد رجل عِنْد عمر بن الْخطاب بِشَهَادَة فَقَالَ لَهُ: لست أعرفك، وَلَا يَضرك أَن لَا أعرفك ائْتِ بِمن يعرفك. فَقَالَ رجل من الْقَوْم: أَنا أعرفهُ، قَالَ: بِأَيّ شَيْء تعرفه؟ قَالَ: بِالْعَدَالَةِ وَالْفضل. قَالَ: هُوَ جَارك الْأَدْنَى الَّذِي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فعاملك بالدينار وَالدِّرْهَم اللَّذين بهما يسْتَدلّ عَلَى الْوَرع؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فرفيقك فِي السّفر الَّذِي يسْتَدلّ بِهِ عَلَى مَكَارِم الْأَخْلَاق؟ قَالَ: لَا. قَالَ: لست تعرفه. قَالَ: ائْتِنِي بِمن يعرفك» قَالَ الْعقيلِيّ: الْفضل بن زِيَاد عَن شَيبَان مَجْهُول بِالنَّقْلِ، وَلَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه، وَلَا نعرفه إِلَّا بِهِ. قَالَ: وَمَا فِي الْكتاب حَدِيث مَجْهُول أحسن من هَذَا.
قلت: وَأما ابْن السكن فَإِنَّهُ ذكره فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة فأغرب.
تَنْبِيه: وَقع فِي الْمُهَذّب ثمَّ مثناة من تَحت ثمَّ مُثَلّثَة وَهُوَ تَحْرِيف، قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه: كَذَا هُوَ فِي نسخ الْمُهَذّب وَهُوَ تَصْحِيف، وَذكر البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْكَبِير وَغَيره من الْعلمَاء: أَن خَرشَة كَانَ يَتِيما فِي حجر عمر بن الْخطاب، وَمن الروَاة عَنهُ المعروفين بذلك، وَلَيْسَ فِي هَذِه الدرجَة أَعنِي دَرَجَة من يروي عَن عمر من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ من سمي سُلَيْمَان بن حُرَيْث، يتَعَيَّن أَن الْمَذْكُور فِي الْمُهَذّب غلط وتصحيف.

.باب الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب:

ذكر فِيهِ حَدِيثا وَاحِدًا وَهُوَ حَدِيث هِنْد زَوْجَة أبي سُفْيَان أَنَّهَا قَالَت لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح لَا يعطيني من النَّفَقَة مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بني أفآخذ من مَاله مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بني؟ فَقَالَ: خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ».
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَقد سلف فِي النَّفَقَات وَاضحا، قَالَ الرَّافِعِيّ: وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ قَضَاء عَلَى زَوجهَا أبي سُفْيَان وَهُوَ غَائِب.
قلت: وَكَذَا ترْجم عَلَيْهِ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه «الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب» لَكِن ذكر جمَاعَة من الْمُحَقِّقين أَن ذَلِك كَانَ فَتْوَى لَا قَضَاء، وَصَححهُ أَصْحَابنَا أَيْضا، قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم: اسْتدلَّ بِهِ جماعات من أَصْحَابنَا وَغَيرهم عَلَى جَوَاز الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب وَلَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لِأَن هَذِه الْقِصَّة كَانَت بِمَكَّة، وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حَاضرا بهَا، وَشرط الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب أَن يكون غَائِبا عَن الْبَلَد أَو مستترًا لَا يقدر عَلَيْهِ أَو متعذرًا، وَلم يكن هَذَا الشَّرْط فِي أبي سُفْيَان مَوْجُودا، وَلَا يكون قَضَاء عَلَى الْغَائِب بل هُوَ إِفْتَاء. هَذَا آخر كَلَامه، وَنَصّ أَبُو نعيم والسهيلي أَيْضا عَلَى أَنه كَانَ حَاضرا حِينَئِذٍ كَمَا سلف فِي حد الزِّنَا، وَقد سلف فِي كتاب النَّفَقَات من كَلَام الرَّافِعِيّ مَا يدل عَلَى أَن ذَلِك كَانَ إِفْتَاء لَا قَضَاء، ويوضح ذَلِك أَيْضا أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يستحلفها أَنَّهَا لم تَأْخُذ النَّفَقَة، وَلم يقدرها بل قَالَ لَهَا: «خذي من مَاله مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ» فَجعل التَّقْدِير إِلَيْهَا فِيمَا تَأْخُذهُ، وَمَعْلُوم أَن مَا كَانَ من فرض النَّفَقَة عَلَى وَجه الْقَضَاء لَا يكون تَقْدِيره إِلَى مُسْتَحقّه إِلَّا أَن يُقَال: الْوَاجِب قدر الْكِفَايَة، كَمَا هُوَ أحد أَقْوَال الشَّافِعِي وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث. وَذكر الرَّافِعِيّ فِيهِ أَيْضا حَدِيث «اغْدُ يَا أنيس عَلَى امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت فارجمها» وَقد سلف فِي مَوْضِعه.

.باب الْقِسْمَة:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ حديثين:

.أَحدهمَا:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يقسم الْغَنَائِم بَين الْمُسلمين».
وَهَذَا من الْمَشْهُور المستفيض الثَّابِت الَّذِي عزوه أشهر من أَن يشْتَغل بِهِ، وَقد ورد فِي ذَلِك عدَّة أَحَادِيث، وَمِنْهَا حَدِيث جَابر الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قسم غنيمَة بالجعرانة فَقَالَ رجل: اعْدِلْ. فَقَالَ رَسُول الله: وَيحك إِن لم أعدل فَمن يعدل».

.الحديث الثَّانِي:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جزأ العبيد السِّتَّة الَّذين أعتقهم الْأنْصَارِيّ فِي مرض مَوته ثَلَاثَة أَجزَاء».
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه وستعلمه فِي كتاب الْعتْق إِن شَاءَ الله، وَأَشَارَ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى حَدِيث «لَا ضَرَر وَلَا ضرار» وَقد أوضحته فِي تخريجي أَحَادِيث الْمُهَذّب فِي كتاب الرَّهْن فسارع إِلَيْهِ.